فَلَمَّا بَلَغَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أربَعِينَ سَنَةً بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَد أخَذَ المِيثَاقَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ قَبلَهُ بِالإيمَانِ بِهِ، وَالتَّصدِيقِ لَهُ، وَالنَّصرِ لَهُ عَلَى مَن خَالَفَهُ، وَأخَذَ عَلَيهِم أن يُؤَدُّوا ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَن آمَن بِهِم وَصَدَّقَهُم، فَأدَّوا مِن ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيهِم مِن الحَقِّ فِيهِ.
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا:
أنَّ أوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ مِن النُّبُوَّةِ، حِينَ أرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ
وَرَحمَةَ العِبَادِ بِهِ، الرُّؤيَا الصَّادِقَةُ، لَا يَرَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رُؤيَا فِي نُوُمِهِ إلَّا
جَاءَت كَفَلَقِ الصُّبحِ. قَالَت: وَحَبَّبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيهِ
الخَلوَةَ، فَلَم يَكُن شَيءٌ أحَبَّ إلَيهِ مِن أن يَخلُوَ
وَحدَهُ.
وَعَن عَبدُ المَلِكِ بنُ عُبَيدِ اللَّهِ :
أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ أرَادَهُ
اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ، وَابتَدَأهُ بِالنُّبُوَّةِ، كَانَ إذَا خَرَجَ
لِحَاجَتِهِ أبعَدَ حَتَّى تَحَسَّرَ عَنهُ البُيُوتُ
وَيُفضِي إلَى شِعَابِ مَكَّةَ وَبُطُونِ أودِيَتِهَا، فَلَا
يَمُرُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ وَلَا
شَجَرٍ إلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ:
فَيَلتَفِتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَولَهُ
وَعَن يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلفِهِ، فَلَا يَرَى إلَّا الشَّجَرَ
وَالحِجَارَةَ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ
كَذَلِكَ يَرَى وَيَسمَعُ، مَا شَاءَ اللَّهُ أن يَمكُثَ، ثُمَّ
جَاءَهُ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ بِمَا جَاءَهُ مِن كَرَامَةِ
اللَّهِ، وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شَهرِ رَمَضَانَ.
وَعَن عُبَيدِ بنِ عُمَيرِ بنِ قَتَادَةَ اللَّيثَيَّ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ
فِي حِرَاءٍ مِن كُلِّ سَنَةٍ شَهرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَحَنَّثَ
بِهِ قُرَيشٌ فِي الجَاهِلِيَّة. فَكَانَ يُجَاوِرُ ذَلِكَ الشَّهرَ
مِن كُلِّ سَنَةٍ، يُطعِمُ مَن جَاءَهُ مِن المَسَاكِينِ، فَإذَا
قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهُ مِن
شَهرِهِ ذَلِكَ، كَانَ أوَّلُ مَا يَبدَاُ بِهِ، إذَا انصَرَفَ مِن
جِوَارِهِ، الكَعبَةَ، قَبلَ أن يَدخُلَ بَيتَهُ، فَيَطُوفُ بِهَا
سَبعًا أو مَا شَاءَ اللَّهُ مِن ذَلِكَ، ثُمَّ يَرجِعُ إلَى
بَيتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ الشَّهرُ الَّذِي أرَادَ اللَّهُ تَعَالَى
بِهِ فِيهِ مَا أرَادَ مِن كَرَامَتِهِ، مِن السّنة الَّتِي بَعثه
اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ الشَّهرُ شَهرُ رَمَضَانَ، خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلَى حِرَاءٍ، كَمَا
كَانَ يَخرُجُ لِجِوَارِهِ وَمَعَهُ أهلُهُ، حَتَّى إذَا كَانَت
اللَّيلَةُ الَّتِي أكرَمَهُ اللَّهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ، وَرَحِمَ
العِبَادَ بِهَا، جَاءَهُ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ بِأمرِ اللَّهِ
تَعَالَى.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَجَاءَنِي جِبرِيلُ، وَأنَا نَائِمٌ، بِنَمَطٍ مِن دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ ، فَقَالَ اقرَأ، قُلتُ: مَا أقرَاُ ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنتُ أنَّهُ المَوتُ، ثُمَّ أرسَلَنِي فَقَالَ: اقرَأ، قُلتُ: مَا أقرَاُ؟ فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنتُ أنَّهُ المَوتُ، ثُمَّ أرسَلَنِي، فَقَالَ: اقرَأ، قُلتُ: مَاذَا أقرَاُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنتُ أنَّهُ المَوتُ، ثُمَّ أرسَلَنِي ، فَقَالَ: اقرَأ، فَقُلتُ: مَاذَا أقرَاُ؟ فَقَالَ:
قَالَ: فَقَرَأتُهَا ثُمَّ انتَهَى فَانصَرَفَ عَنِّي وَهَبَبتُ مِن نَومِي، فَكَأنَّمَا كَتَبتُ فِي قَلبِي كِتَابًا. فَخَرَجتُ حَتَّى إذَا كُنتُ فِي وَسَطٍ مِن الجَبَلِ سَمِعتُ صَوتًا مِن السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أنتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأنَا جِبرِيلُ! فَرَفَعتُ رَأسِي إلَى السَّمَاءِ أنظُرُ، فَإذَا جِبرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيهِ فِي اُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أنتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأنَا جِبرِيلُ! فَوَقَفتُ أنظُرُ إلَيهِ فَمَا أتَقَدَّمُ وَمَا أتَأخَّرُ، وَجَعَلتُ أصرِفُ وَجهِي عَنهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَلَا أنظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنهَا إلَّا رَأيتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلتُ وَاقِفًا مَا أتَقَدَّمُ أمَامِي وَمَا أرجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَت خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أعلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيهَا وَأنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انصَرَفَ عَنِّي.
وَانصَرَفتُ رَاجِعًا إلَى أهلِي حَتَّى أتَيتُ خَدِيجَةَ فَجَلَستُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إلَيهَا. فَقَالَت: يَا أبَا القَاسِمِ، أين كنت؟ فو الله لَقَد بَعَثَتُ رُسُلِي فِي طَلَبكَ حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ وَرَجَعُوا إليَّ!
ثُمَّ حَدَّثتُهَا بِاَلَّذِي رَأيتُ، فَقَالَت: أبشِر يَا بن عمّ واثبُت، فو الّذي نَفسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنِّي لَأرجُو أن تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الاُمَّةِ !
ثُمَّ قَامَت فَجَمَعَت عَلَيهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انطَلَقَت إلَى وَرَقَةَ بنِ نَوفَلِ ، وَهُوَ ابنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَد تَنَصَّرَ وَقَرَأ الكُتُبَ، وَسَمِعَ مِن أهلِ التَّورَاةِ وَالإنجِيلِ، فَأخبَرتهُ بِمَا أخبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ رَأى وَسَمِعَ، فَقَالَ وَرَقَةُ : قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، وَاَلَّذِي نَفسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ، لَئِن كُنتِ صَدَّقتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَد جَاءَهُ النَّامُوسُ الأكبَرُ الَّذِي كَانَ يَأتِي مُوسَى، وَإنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الاُمَّةِ، فَقُولِي لَهُ: فَليَثبُت.
فَرَجَعَت خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأخبَرتهُ بِقَولِ وَرَقَةَ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهُ وَانصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصنَعُ بَدَأ بِالكَعبَةِ فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعبَةِ فَقَالَ: يَا بن أخِي أخبِرنِي بِمَا رَأيتَ وَسَمِعتَ فَأخبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: وَاَلَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الاُمَّةِ، وَلَقَد جَاءَكَ النَّامُوسُ الأكبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَلَتُكَذَّبَنَّه وَلَتُؤذَيَنَّه وَلَتُخرَجَنَّه وَلَتُقَاتَلَنَّه ! ، وَلَئِن أنَا أدرَكتُ ذَلِكَ اليَومَ لَأنصُرَنَّ اللَّهَ نَصرًا يَعلَمُهُ! ثُمَّ أدنَى رَأسَهُ مِنهُ، فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنزِلِهِ.
تحسر عَنهُ البيُوت: تبعد عَنهُ ويتخلى عَنهَا |
تَحَسَّرَ |
المَوَاضِع الخفية بَين الجبَال valleys |
شِعَابِ |
يعتَكف stay in seclusion |
يُجَاوِرُ |
التعّبد و إعتزال الأصنام worship and devotion away from idols |
تَحَنَّثَ |
وعَاء كالسفط coverlet of brocade |
بِنَمَطٍ |
و يروى: «مَا أنا بقارئ» |
مَا أقرَاُ |
الغت: حبس النَّفس , غتّه : عصره عصرا شديدا Squeezed vehemently, pressed hard |
فَغَتَّنِي |
ملتصقا، يُقَال: أضفت إلَى الرجل، إذا ملت نَحوه ولصقت بِهِ، وَمِنه سمى الضَّيف ضيفا
sat by her thigh and drew close to her |
مُضِيفًا |
I got up from my sleep | هَبَبتُ مِن نَومِي |
أي طَاهِر طَاهِر، وَأصله من التَّقدِيس، وَهُوَ التَّطهِير Holy |
قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ |
الناموس (فِي الأصل) : صَاحب سر الرجل فِي خَيره وشره، فَعبر عَن الملك الّذي جَاءَهُ
بِالوَحي بِهِ Jibreel (AS) |
النَّامُوسُ |
الهَاء فِي هَذِه الأفعَال هَاء السكت | وَلَتُكَذَّبَنَّه وَلَتُؤذَيَنَّه وَلَتُخرَجَنَّه وَلَتُقَاتَلَنَّه |
وسط الرَّأس forehead |
يَافُوخَهُ |