فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا يُصِيبُ أصحَابَهُ مِن البَلَاءِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِن العَافِيَةِ ، بِمَكَانِهِ مِن اللَّهِ وَمِن عَمِّهِ أبِي طَالِبٍ، وَأنَّهُ لَا يَقدِرُ عَلَى أن يَمنَعَهُم مِمَّا هُم فِيهِ مِن البَلَاءِ، قَالَ لَهُم: لَو خَرَجتُم إلَى أرضِ الحَبَشَةِ فَإنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظلَمُ عِندَهُ أحَدٌ، وَهِيَ أرضُ صِدقٍ، حَتَّى يَجعَلَ اللَّهُ لَكُم فَرَجًا مِمَّا أنتُم فِيهِ. فَخَرَجَ عِندَ ذَلِكَ المُسلِمُونَ مِن أصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلَى أرضِ الحَبَشَةِ، مَخَافَةَ الفِتنَةِ، وَفِرَارًا إلَى اللَّهِ بِدِينِهِم . فَكَانَت أوَّلَ هِجرَةٍ كَانَت فِي الإسلَامِ.

وَكَانَ أوَّلَ مَن خَرَجَ مِن المُسلِمِينَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ مَعَهُ امرَأتُهُ رُقَيَّةُ بِنتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَ أبُو حُذَيفَةَ بنُ عُتبَةَ مَعَهُ امرَأتُهُ سَهلَةُ بِنتُ سُهَيلِ بنِ عَمرٍو، وَ الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ وَ مُصعَبُ بنُ عُمَيرِ وَ عَبدُ الرَّحمَنِ ابن عَوفِ وَ أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبدِ الأسَدِ مَعَهُ امرَأتُهُ اُمُّ سَلَمَةَ بِنتُ أبِي اُمَيَّةَ وَ عُثمَانُ بنُ مَظعُونِ وَ عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ مَعَهُ امرَأتُهُ لَيلَى بِنتُ أبِي حَثمَةَ . وَأبُو سَبرَةَ بنُ أبِي رُهمِ وَ سُهَيلُ بنُ بَيضَاءَ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ العَشرَة أوَّلَ مَن خَرَجَ مِن المُسلِمِينَ إلَى أرضِ الحَبَشَةِ،

ثُمَّ خَرَجَ جَعفَرُ بنُ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، وَتَتَابَعَ المُسلِمُونَ حَتَّى اجتَمَعُوا بِأرضِ الحَبَشَةِ ، فَكَانُوا بِهَا ، مِنهُم مَن خَرَجَ بِأهلِهِ مَعَهُ، وَمِنهُم مَن خَرَجَ بِنَفسِهِ لَا أهلَ لَهُ مَعَهُ.

فَكَانَ جَمِيعُ مَن لَحِقَ بِأرضِ الحَبَشَةِ  وَهَاجَرَ إلَيهَا مِن المُسلِمِينَ، سِوَى أبنَائِهِم الَّذِينَ خَرَجُوا بِهِم مَعَهُم صِغَارًا وَوُلِدُوا بِهَا ، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا.