وَلَمَّا قَدِمَ عَمرُو بنُ العَاصِ وَعَبدُ اللَّهِ بنُ أبِي رَبِيعَةَ عَلَى قُرَيشٍ، وَلَم يُدرِكُوا مَا طَلَبُوا مِن أصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّهُمَا النَّجَاشِيُّ بِمَا يَكرَهُونَ، وَأسلَمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَكَانَ رَجُلًا ذَا شَكِيمَةٍ لَا يُرَامُ مَا وَرَاءَ ظَهرِهِ، امتَنَعَ بِهِ أصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبِحَمزَةِ حَتَّى عَازُوا قُرَيشًا ،

وَكَانَ عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعُودٍ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَقدِرُ عَلَى أن نُصَلِّيَ عِندَ الكَعبَةِ، حَتَّى أسلَمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَلَمَّا أسلَمَ قَاتَلَ قُرَيشًا حَتَّى صَلَّى عِندَ الكَعبَةِ، وَصَلَّينَا مَعَهُ، وَكَانَ إسلَامُ عُمَرَ بَعدَ خُرُوجِ مَن خَرَجَ مِن أصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلَى الحَبَشَةِ.

وَكَانَ إسلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أنَّ اُختَهُ فَاطِمَةَ بِنتَ الخَطَّابِ، وَكَانَت عِندَ سَعِيدِ بنِ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ، وَكَانَت قَد أسلَمَت وَأسلَمَ بَعلُهَا سَعِيدُ بنُ زَيدٍ، وَهُمَا مُستَخفِيَانِ بِإسلَامِهِمَا مِن عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيمُ بنُ عَبدِ اللَّهِ النَّحَّامُ ، رَجُلٌ مِن قَومِهِ، مِن بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعبٍ قَد أسلَمَ، وَكَانَ أيضًا يَستَخفِي بِإسلَامِهِ فَرَقًا مِن قَومِهِ.

وَكَانَ خَبَّابُ بنُ الأرَتِّ يَختَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ بِنتِ الخَطَّابِ يُقرِئُهَا القُرآنَ، فَخَرَجَ عُمَرُ يَومًا مُتَوَشِّحًا سَيفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَهطًا مِن أصحَابِهِ قَد ذُكِرُوا لَهُ أنَّهُم قَد اجتَمَعُوا فِي بَيتٍ عِندَ الصَّفَا، وَهُم قَرِيبٌ مِن أربَعِينَ مَا بَينَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَمُّهُ حَمزَةُ ابن عَبدِ المُطَّلِبِ، وَأبُو بَكرِ الصِّدِّيقُ، وَعَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ، فِي رِجَالٍ مِن المُسلِمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم، مِمَّن كَانَ أقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَلَم يَخرَج فِيمَن خَرَجَ إلَى أرضِ الحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ نُعَيمُ بنُ عَبدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: أينَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: اُرِيدُ مُحَمَّدًا هَذَا الصَّابِئَ، الَّذِي فَرَّقَ أمرَ قُرَيشٍ، وَسَفَّهُ أحلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبَّ آلِهَتَهَا، فَأقتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ نُعَيمٌ: وَاَللَّهِ لَقَد غَرَّتكَ نَفسُكَ مِن نَفسِكَ يَا عُمَرُ، أتَرَى بَنِي عَبدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمشِي عَلَى الأرضِ وَقَد قَتَلتَ مُحَمَّدًا! أفَلَا تَرجِعُ إلَى أهلِ بَيتِكَ فَتُقِيمَ أمرَهُم؟ قَالَ: وَأيُّ أهلِ بَيتِي؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَابنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بنُ زَيدِ بنِ عَمرٍو، وَاُختُكَ فَاطِمَةُ بِنتُ الخَطَّابِ، فَقَد وَاَللَّهِ أسلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيكَ بِهِمَا، قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى اُختِهِ وَخَتَنِهِ، وَعِندَهُمَا خَبَّابُ بنُ الأرَتِّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ، فِيهَا: «طَه» يُقرِئُهُمَا إيَّاهَا، فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ، تَغَيَّب خَبَّابٌ فِي مِخدَعٍ لَهُم، أو فِي بَعضِ البَيتِ، وَأخَذَت فَاطِمَةُ بِنتُ الخَطَّابِ الصَّحِيفَةَ فَجَعَلَتهَا تَحتَ فَخِذِهَا، وَقدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى البَيتِ قِرَاءَةَ خَبَّابٍ عَلَيهِمَا، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الهَينَمَةُ الَّتِي سَمِعتُ؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعتَ شَيئًا، قَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ، لَقَد اُخبِرتُ أنَّكُمَا تَابَعتُمَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ، وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بنِ زَيدٍ، فَقَامَت إلَيهِ اُختُهُ فَاطِمَةُ بِنتُ الخَطَّابِ لَتَكُفَّهُ عَن زَوجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَت لَهُ اُختُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَم قَد أسلَمنَا وَآمَنَّا باللَّه وَرَسُولِهِ، فَاصنَع مَا بَدَا لَكَ. فَلَمَّا رَأى عُمَرُ مَا بِاُختِهِ مِن الدَّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَاِرعَوى ، وَقَالَ لِاُختِهِ: أعطِينِي هَذِهِ الصَّحِيفَةَ الَّتِي سَمِعتُكُم تَقرَءُونَ آنِفًا أنظُر مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، قَالَت لَهُ اُختُهُ: إنَّا نَخشَاكَ عَلَيهَا، قَالَ: لَا تَخَافِي، وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إذَا قَرَأهَا إلَيهَا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَت فِي إسلَامِهِ، فَقَالَت لَهُ: يَا أخِي، إنَّكَ نَجِسٌ، ، عَلَى شِركِكَ، وَإنَّهُ لَا يَمَسُّهَا إلَّا الطَّاهِرُ ، فَقَامَ عُمَرُ فَاغتَسَلَ، فَأعطَتهُ الصَّحِيفَةَ، وَفِيهَا: «طَه» . فَقَرَأهَا، فَلَمَّا قَرَأ مِنهَا صَدرًا، قَالَ: مَا أحسَنَ هَذَا الكَلَامَ وَأكرَمَهُ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابٌ خَرَجَ إلَيهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأرجُو أن يَكُونَ اللَّهُ قَد خَصَّكَ بِدَعوَةِ نَبِيَّهُ، فَإنِّي سَمِعتُهُ أمسِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ أيِّد الإسلَامَ بِأبِي الحَكَمِ بنِ هِشَامٍ، أو بِعُمَرِ بنِ الخَطَّابِ، فاللَّه اللَّهَ يَا عُمَرُ!

فَقَالَ لَهُ عِندَ ذَلِكَ عُمَرُ: فَدُلَّنِي يَا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَاُسلِمَ، فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: هُوَ فِي بَيتٍ عِندَ الصَّفَا، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِن أصحَابِهِ،

فَأخَذَ عُمَرُ سَيفَهُ فَتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأصحَابِهِ، فَضَرَبَ عَلَيهِم البَابَ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوتَهُ قَامَ رَجُلٌ مِن أصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ مِن خَلَلِ البَابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحًا السَّيفَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مُتَوَشِّحًا السَّيفَ، فَقَالَ حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ: فَأذَن لَهُ، فَإن كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيرًا بَذَلنَاهُ لَهُ، وَإن كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قَتَلنَاهُ بِسَيفِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ائذَن لَهُ، فَأذِنَ لَهُ الرَّجُلُ، وَنَهَضَ إلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَقِيَهُ فِي الحُجرَةِ، فَأخَذَ حُجزَتَهُ ، أو بِمِجمَعِ رِدَائِهِ، ثُمَّ جَبَذَهُ بِهِ جَبذَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا بن الخطّاب؟ فو الله مَا أرَى أن تَنتَهِيَ حَتَّى يُنزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئتُكَ لِاُومِنَ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِن عِندِ اللَّهِ، قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَكبِيرَةً عَرَفَ أهلُ البَيتِ مِن أصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّ عُمَرَ قَد أسلَمَ.

فَتَفَرَّقَ أصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن مَكَانِهِم، وَقَد عَزُّوا فِي أنفُسِهِم حِينَ أسلَمَ عُمَرُ مَعَ إسلَامِ حَمزَةَ، وَعَرَفُوا أنَّهُمَا سَيَمنَعَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَيَنتَصِفُونَ بِهِمَا مِن عَدُوِّهِم.

قَالَ عُمَرُ: لَمَّا أسلَمتُ تِلكَ اللَّيلَةَ، تَذَكَّرتُ أيَّ أهلِ مَكَّةَ أشَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَدَاوَةً حَتَّى آتِيَهُ فَاُخبِرَهُ أنِّي قَد أسلَمتُ، قَالَ: قُلتُ: أبُو جَهلٍ - فَأقبَلتُ حِينَ أصبَحتُ حَتَّى ضَرَبتُ عَلَيهِ بَابَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ إلَيَّ أبُو جَهلٍ، فَقَالَ: مَرحَبًا وَأهلًا بِابنِ اُختِي، مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ : جِئتُ لِاُخبِرَكَ أنِّي قَد آمَنتُ باللَّه وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، وَصَدَّقتُ بِمَا جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَضَرَبَ البَابَ فِي وَجهِي وَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ، وَقَبَّحَ مَا جِئتَ بِهِ!