فَلَمَّا رَأت قُرَيشٌ أنَّ أصحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَد نَزَلُوا بَلَدًا أصَابُوا بِهِ أمنًا وَقَرَارًا، وَأنَّ النَّجَاشِيَّ قَد مَنَعَ مَن لَجَأ إلَيهِ مِنهُم، وَأنَّ عُمَرَ قَد أسلَمَ، فَكَانَ هُوَ وَحَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأصحَابِهِ، وَجَعَلَ الإسلَامُ يَفشُو فِي القَبَائِلِ، اجتَمَعُوا وَائتَمَرُوا بَينَهُم أن يَكتُبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِيَّ المُطَّلِبِ، عَلَى أن لَا يُنكِحُوا إلَيهِم وَلَا يُنكَحُوهُم، وَلَا يَبِيعُوهُم شَيئًا، وَلَا يَبتَاعُوا مِنهُم،

فَلَمَّا اجتَمَعُوا لِذَلِكَ كَتَبُوهُ فِي صَحِيفَةٍ، ثُمَّ تَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي جَوفِ الكَعبَةِ تَوكِيدًا عَلَى أنفُسِهِم، وَكَانَ كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ مَنصُورَ بنَ عِكرِمَةَ، فَدَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَشُلَّ بَعضُ أصَابِعِهِ.

فَلَمَّا فَعَلَت ذَلِكَ قُرَيشٌ انحَازَت بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ إلَى أبِي طَالِبِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعبِهِ وَاجتَمَعُوا إلَيهِ، وَخَرَجَ مِن بَنِي هَاشِمٍ أبُو لَهَبٍ، عَبدُ العُزَّى بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ، إلَى قُرَيشٍ، فَظَاهَرَهُم. وَحُدِّثتُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي بَعضِ مَا يَقُولُ: يَعِدُنِي مُحَمَّدٌ أشيَاءَ لَا أرَاهَا، يَزعُمُ أنَّهَا كَائِنَةٌ بَعدَ المَوتِ، فَمَاذَا وَضَعَ فِي يَدَيَّ بَعدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنفُخُ فِي يَدَيهِ وَيَقُولُ: تَبًّا لَكُمَا، مَا أرَى فِيكُمَا شَيئًا مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَأنزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ :

﴿ تَبَّت يَدا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾

فَأقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَينِ أو ثَلَاثًا، حَتَّى جَهَدُوا لَا يَصِلُ إلَيهِم شَيءٌ، إلَّا سِرًّا مُستَخفِيًا بِهِ مَن أرَادَ صِلَتَهُم مِن قُرَيشٍ.