ثُمَّ اُسرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن المَسجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسجِدِ الأقصَى، وَهُوَ بَيتُ المَقدِسِ مِن إيلِيَاء ، وَقَد فَشَا الإسلَامُ بِمَكَّةَ فِي قُرَيشٍ، وَفِي القَبَائِلِ كُلِّهَا.

فَكَانَ عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعُودٍ- فِيمَا بَلَغَنِي عَنهُ- يَقُولُ: اُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالبُرَاقِ ، وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَت تُحمَلُ عَلَيهَا الأنبِيَاءُ قَبلَهُ، تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنتَهَى طَرفِهَا- فَحُمِلَ عَلَيهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ، يَرَى الآيَاتِ فِيمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأرضِ، حَتَّى انتَهَى إلَى بَيتِ المَقدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبرَاهِيمَ الخَلِيلَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِن الأنبِيَاءِ قَد جُمِعُوا لَهُ، فَصَلَّى بِهِم. ثُمَّ اُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ، إنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَإنَاءٌ فِيهِ خَمرٌ، وَإنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ. قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَسَمِعتُ قَائِلًا يَقُولُ حِينَ عُرِضَت عَلَيَّ: إن أخَذَ المَاءَ غَرِقَ وَغَرِقَت اُمَّتُهُ، وَإن أخَذَ الخَمرَ غَوَى وَغَوَت اُمَّتُهُ، وَإن أخَذَ اللَّبَنَ هُدِيَ وَهُدِيَت اُمَّتُهُ. قَالَ: فَأخَذتُ إنَاءَ اللَّبَنِ، فَشَرِبتُ مِنهُ، فَقَالَ لِي جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ: هُدِيتَ وَهُدِيَت اُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ !

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وَحُدِّثتُ عَن الحَسَنِ أنَّهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بَينَا أنَا نَائِمٌ فِي الحِجرِ، إذ جَاءَنِي جِبرِيلُ، فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَستُ فَلَم أرَ شَيئًا، فَعُدتُ إلَى مَضجَعِي، فَجَاءَنِي الثَّانِيَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَستُ فَلَم أرَ شَيئًا، فَعُدتُ إلَى مَضجَعِي، فَجَاءَنِي الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَستُ، فَأخَذَ بِعَضُدِي، فَقُمتُ مَعَهُ، فَخَرَجَ بِي إلَى بَابِ المَسجِدِ، فَإذَا دَابَّةٌ أبيَضُ، بَينَ البَغلِ وَالحِمَارِ، فِي فَخِذَيهِ جَنَاحَانِ يَحفِزُ بِهِمَا رِجلَيهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِي مُنتَهَى طَرفِهِ، فَحَمَلَنِي عَلَيهِ، ثُمَّ خَرَجَ مَعِي لَا يَفُوتُنِي وَلَا أفُوتُهُ.

قَالَ الحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَمَضَى جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ مَعَهُ، حَتَّى انتَهَى بِهِ إلَى بَيتِ المَقدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِن الأنبِيَاءِ، فَأمَّهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِم، ثُمَّ اُتِيَ بِإنَاءَينِ، فِي أحَدِهِمَا خَمرٌ، وَفِي الآخَرِ لَبَنٌ. قَالَ: فَأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إنَاءَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَ مِنهُ، وَتَرَكَ إنَاءَ الخَمرِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبرِيلُ:
هُدِيتَ لِلفِطرَةِ، وَهُدِيَت اُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ، وَحُرِّمَت عَلَيكُم الخَمرُ. ثُمَّ انصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا أصبَحَ غَدَا عَلَى قُرَيشٍ فَأخبَرَهُم الخَبَرَ. فَقَالَ أكثَرُ النَّاسِ: هَذَا وَاَللَّهِ الإمرُ البَيِّنُ، وَاَللَّهِ إنَّ العِيرَ لَتُطرَدُ، شَهرًا مِن مَكَّةَ إلَى الشَّامِ مُدبِرَةً، وَشَهرًا مُقبِلَةً، أفَيَذهَبُ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَرجِعُ إلَى مَكَّةَ!

قَالَ: فَارتَدَّ كَثِيرٌ مِمَّن كَانَ أسلَمَ، وَذَهَبَ النَّاسُ إلَى أبِي بَكرٍ، فَقَالُوا لَهُ: هَل لَكَ يَا أبَا بَكرٍ فِي صَاحِبِكَ، يَزعُمُ أنَّهُ قَد جَاءَ هَذِهِ اللَّيلَةَ بَيتَ المَقدِسِ وَصَلَّى فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُم أبُو بَكرٍ: إنَّكُم تَكذِبُونَ عَلَيهِ، فَقَالُوا بَلَى، هَا هُوَ ذَاكَ فِي المَسجِدِ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَقَالَ أبُو بَكرٍ: وَاَللَّهِ لَئِن كَانَ قَالَهُ لَقَد صَدَقَ، فَمَا يُعجِبُكُم من ذَلِك! فو الله إنَّهُ لَيُخبِرُنِي أنَّ الخَبَرَ لَيَأتِيهِ مِن اللَّهِ مِن السَّمَاءِ إلَى الأرضِ فِي سَاعَةٍ مِن لَيلٍ أو نَهَارٍ فَاُصَدِّقُهُ، فَهَذَا أبعَدُ مِمَّا تَعجَبُونَ مِنهُ، ثُمَّ أقبَلَ حَتَّى انتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أحَدَّثتَ هَؤُلَاءِ القَومَ أنَّكَ جِئتَ بَيتَ المَقدِسِ هَذِهِ اللَّيلَةَ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَصِفهُ لِي، فَإنِّي قَد جِئتُهُ- قَالَ الحَسَنُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَرُفِعَ لِي حَتَّى نَظَرتُ إلَيهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصِفُهُ لِأبِي بَكرٍ، وَيَقُولُ أبُو بَكرٍ: صَدَقتَ، أشهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، كَلَمَّا وَصَفَ لَهُ مِنهُ شَيئًا، قَالَ: صَدَقتَ، أشهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، حَتَّى إذَا انتَهَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِأبِي بَكرٍ: وَأنتَ يَا أبَا بَكرٍ الصِّدِّيقُ، فَيَومَئِذٍ سَمَّاهُ الصِّدِّيقَ.

عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ لِأصحَابِهِ إبرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى حِينَ رَآهُم فِي تِلكَ اللَّيلَةِ، فَقَالَ:
أمَّا إبرَاهِيمُ، فَلَم أرَ رَجُلًا أشبَهَ قَطُّ بِصَاحِبِكُم، وَلَا صَاحِبُكُم أشبَهُ بِهِ مِنهُ، وَأمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ ضَربٌ جَعدٌ أقنَى كَأنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَأمَّا عِيسَى بنُ مَريَمَ، فَرَجُلٌ أحمَرُ، بَينَ القَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، سَبطُ الشَّعَرِ، كَثِيرُ خِيلَانِ الوَجهِ، كَأنَّهُ خَرَجَ مِن دِيمَاسٍ ، تَخَالُ رَأسَهُ يَقطُرُ مَاءً، وَلَيسَ بِهِ مَاءٌ، أشبَهُ رِجَالِكُم بِهِ عُروَةُ بنُ مَسعُودٍ الثَّقَفِيُّ.