قَالَ ابنُ إسحَاقَ:
وَحَدَّثَنِي مَن لَا أتَّهِمُ عَن أبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا فَرَغتُ مِمَّا كَانَ فِي بَيتِ المَقدِسِ، اُتِيَ بِالمِعرَاجِ، وَلَم أرَ شَيئًا قَطُّ أحسَنَ مِنهُ، وَهُوَ الَّذِي يَمُدُّ إلَيهِ مَيِّتُكُم عَينَيهِ إذَا حُضِرَ، فَأصعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ، حَتَّى انتَهَى بِي إلَى بَابٍ مِن أبوَابِ السَّمَاءِ، يُقَالُ لَهُ: بَابُ الحَفَظَةِ، عَلَيهِ مَلَكٌ مِن المَلَائِكَةِ، يُقَالُ لَهُ: إسمَاعِيلُ، تَحتَ يَدَيهِ اثنَا عَشَرَ ألفَ مَلَكٍ، تَحتَ يَدَي كُلِّ مَلَكٍ مِنهُم اثنَا عَشَرَ ألفَ مَلَكٍ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ: وَمَا يَعلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ- فَلَمَّا دُخِلَ بِي، قَالَ: مَن هَذَا يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَذَامُحَمَّدُ. قَالَ: أوَقَد بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَدَعَا لِي بِخَيرِ: وَقَالَهُ.

لَمَّا دَخَلتُ السَّمَاءَ الدُّنيَا، رَأيتُ بِهَا رَجُلًا جَالِسًا تُعرَضُ عَلَيهِ أروَاحُ بَنِي آدَمَ، فَيَقُولُ لِبَعضِهَا إذَا عُرِضَت عَلَيهِ خَيرًا وَيُسَرُّ بِهِ، وَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ خَرَجَت مِن جَسَدٍ طَيِّبٍ، وَيَقُولُ لِبَعضِهَا إذَا عُرِضَت عَلَيهِ: اُفٍّ، وَيَعبِسُ بِوَجهِهِ وَيَقُولُ:: رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَت مِن جَسَدٍ خَبِيثٍ. قَالَ: قُلتُ: مَن هَذَا يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أبُوكَ آدَمُ، تُعرَضُ عَلَيهِ أروَاحُ ذُرِّيَّتِهِ، فَإذَا مَرَّت بِهِ رُوحُ المُؤمِنِ مِنهُم سُرَّ بِهَا. وَقَالَ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ خَرَجَت مِن جَسَدٍ طَيِّبٍ. وَإذَا مَرَّت بَه رُوحُ الكَافِرِ مِنهُم أفَّفَمِنهَا وَكَرِهَهَا، وَسَاءَ ذَلِكَ، وَقَالَ: روح خبيثة خرجت مِن جَسَدٍ خَبِيثٍ.

ثُمَّ رَأيتُ رِجَالًا لَهُم مَشَافِرُ كَمَشَافِرِالإبِلِ، فِي أيدِيهم قِطَعٌ مِن نَارٍ كَالأفهَارِ، يَقذِفُونَهَا فِي أفوَاهِهِم، فَتَخرُجُ مِن أدبَارِهِم. فَقُلتُ: مَن هَؤُلَاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أكَلَةُ أموَالِ اليَتَامَى ظُلمًا.

ثُمَّ رَأيتُ رِجَالًا لَهُم بُطُونٌ لَم أرَ مِثلَهَا قَطُّ بِسَبِيلِ آلِ فِرعَونَ، يَمُرُّونَ عَلَيهِم كَالإبِلِ المَهيُومَةِحِينَ يُعرَضُونَ عَلَى النَّارِ، يَطَئُونَهُم لَا يَقدِرُونَ عَلَى أن يَتَحَوَّلُوا مِن مَكَانِهِم ذَلِكَ. قَالَ: قُلتُ: مَن هَؤُلَاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أكَلَةُ الرِّبَا.

ثُمَّ رَأيتُ رِجَالًا بَينَ أيدِيهِم لَحمٌ ثَمِينٌ طَيِّبٌ، إلَى جَنبِهِ لَحمٌ غَثٌّ مُنتِنٌ، يَأكُلُونَ مِن الغَثِّالمُنتِنِ، وَيَترُكُونَ السَّمِينَ الطَّيِّبَ. قَالَ: قُلتُ: مَن هَؤُلَاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَترُكُونَ مَا أحَلَّ اللَّهُ لَهُم مِن النِّسَاءِ، وَيَذهَبُونَ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنهُنَّ.

ثُمَّ رَأيتُ نِسَاءً مُعَلَّقَاتٍ بِثُدِيِّهِنَّ، فَقُلتُ: مَن هَؤُلَاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ اللَّاتِي أدخَلنَ عَلَى الرِّجَالِ مَن لَيسَ مِن أولَادِهِم.

ثُمَّ أصعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإذَا فِيهَا ابنَاالخَالَةِ: عِيسَى بنُ مَريَمَ، وَيَحيَى بنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: ثُمَّ أصعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَإذَا فِيهَا رَجُلٌ صُورَتُهُ كَصُورَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ، قَالَ: قُلتُ: مَن هَذَايَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أخُوكَ يُوسُفُ بنُ يَعقُوبَ. قَالَ: ثُمَّ أصعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَإذَا فِيهَا رَجُلٌ فَسَألتُهُ: مَن هُوَ؟ قَالَ: هَذَا إدرِيسُ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَرَفَعنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا- قَالَ: ثُمَّ أصعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ فَإذَا فِيهَا كَهلٌ أبيَضُ الرَّأسِ وَاللِّحيَةِ، عَظِيمُ العُثنُونِ، لَم أرَ كَهلًا أجمَلَ مِنهُ، قَالَ: قُلتُ: مَن هَذَا يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا المُحَبَّبُ فِي قَومِهِ هَارُونُ بنُ عِمرَانَ. قَالَ: ثُمَّ أصعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُطَوِيلٌ أقنَى، كَأنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ، فَقُلتُ لَهُ: مَن هَذَا يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أخُوكَ مُوسَى بنُ عِمرَانَ. ثُمَّ أصعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَإذَا فِيهَا كَهلٌ جَالِسٌ عَلَى كُرسِيٍّ إلَى بَابِ البَيتِ المَعمُورِ، يَدخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبعُونَ ألفَ مَلَكٍ، لَا يَرجِعُونَ فِيهِ إلَى يَومِ القِيَامَةِ. لَم أرَ رَجُلًا أشبَهَ بِصَاحِبِكُم، وَلَا صَاحِبُكُم أشبَهُ بِهِ مِنهُ، قَالَ: قُلتُ: مَن هَذَا يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أبُوكَ إبرَاهِيمُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ بِي الجَنَّةَ، فَرَأيتُ فِيهَا جَارِيَةً لَعسَاءَ، فَسَألتهَا: لِمَن أنتِ؟ وَقَد أعجَبَتنِي حِينَ رَأيتُهَا، فَقَالَت: لِزَيدِ ابن حَارِثَةَ، فَبَشَّرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَيدَ بنَ حَارِثَةَ.

فَأقبَلتُ رَاجِعًا، فَلَمَّا مَرَرتُ بِمُوسَى بنِعِمرَانَ، وَنِعمَ الصَّاحِبُ كَانَ لَكُم، سَألَنِي كَم فُرِضَ عَلَيكَ مِن الصَّلَاةِ؟ فَقُلتُ خَمسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَومٍ، فَقَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ ثَقِيلَةٌ، وَإنَّ اُمَّتَكَ ضَعِيفَةٌ، فَارجِع إلَى رَبِّكَ، فَاسألهُ أن يُخَفِّفَ عَنكَ وَعَن اُمَّتِكَ. فَرَجَعتُ فَسَألتُ رَبِّي أن يُخَفِّفَ عَنِّي وَعَن اُمَّتِي، فَوَضَعَ عَنِّي عَشرًا. ثُمَّ انصَرَفتُ فَمَرَرتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ لِي مِثلَ ذَلِكَ، فَرَجَعتُ فَسَألتُ رَبِّي، فَوَضَعَ عَنِّي عَشرًا. ثُمَّ انصَرَفتُفَمَرَرتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثلَ ذَلِكَ، فَرَجَعتُ فَسَألتُهُفَوَضَعَ عَنِّي عَشرًا. ثُمَّ لَم يَزَل يَقُولُ لِي مِثلَ ذَلِكَ، كُلَّمَا رَجَعتُ إلَيهِ، قَالَ: فَارجِعفَاسأل، حَتَّى انتَهَيتُ إلَى أن وَضَعَ ذَلِكَ عَنِّي، إلَّا خَمسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ. ثُمَّ رَجَعتُ إلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثلَ ذَلِكَ، فَقُلتُ: قَد رَاجَعتُ رَبِّي وَسَألتُهُ، حَتَّى استَحيَيتُ مِنهُ، فَمَا أنَا بِفَاعِلِ. فَمَن أدَّاهُنَّ مِنكُم إيمَانًا بِهِنَّ، وَاحتِسَابًا لَهُنَّ، كَانَ لَهُ أجرُ خَمسِينَ صَلَاةً مَكتُوبَةً.