فَلَمَّا أرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إظهَارَ دِينِهِ، وَإعزَازَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَإنجَازَ مَوعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي المَوسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِن الأنصَارِ، فَعَرَضَ نَفسَهُ عَلَى قَبَائِلِ العَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصنَعُ فِي كُلِّ مَوسِمٍ. فَبَينَمَا هُوَ عِندَ العَقَبَةِ لَقِيَ رَهطًا مِن الخَزرَجِ أرَادَ اللَّهُ بِهِم خَيرًا.

لَمَّا لَقِيَهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُم: مَن أنتُم؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِن الخَزرَجِ، قَالَ: أمِن مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا: نَعَم، قَالَ: أفَلَا تَجلِسُونَ اُكَلِّمُكُم؟ قَالُوا: بَلَى. فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُم إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيهِم الإسلَامَ، وَتَلَا عَلَيهِم القُرآنَ.

وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِم فِي الإسلَامِ، أنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُم فِي بِلَادِهِم، وَكَانُوا أهلَ كِتَابٍ وَعِلمٍ، وَكَانُوا هُم أهلَ شِركٍ وَأصحَابَ أوثَانٍ، وَكَانُوا قَد غَزَوهُم بِبِلَادِهِم، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَينَهُم شَيءٌ قَالُوا لَهُم: إنَّ نَبِيًّا مَبعُوثٌ الآنَ، قَد أظَلَّ زَمَانُهُ، نَتَّبِعُهُ فَنَقتُلُكُم مَعَهُ قَتلَ عَادٍ وَإرَمَ.

فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اُولَئِكَ النَّفَرَ، وَدَعَاهُم إلَى اللَّهِ، قَالَ بَعضُهُم لِبَعضِ: يَا قَومِ، تَعلَمُوا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُم بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسبِقُنَّكُم إلَيهِ.

فَأجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُم إلَيهِ، بِأن صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنهُ مَا عَرَضَ عَلَيهِم مِن الإسلَامِ، وَقَالُوا: إنَّا قَد تَرَكنَا قَومَنَا، وَلَا قَومَ بَينَهُم مِن العَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَينَهُم، فَعَسَى أن يَجمَعَهُم اللَّهُ بِكَ، فَسَنَقدَمُ عَلَيهِم، فَنَدعُوهُم إلَى أمرِكَ، وَتَعرِضُ عَلَيهِم الَّذِي أجَبنَاكَ إلَيهِ مِن هَذَا الدِّينِ، فَإن يَجمَعهُم اللَّهُ عَلَيهِ فَلَا رَجُلَ أعَزُّ مِنكَ.

ثُمَّ انصَرَفُوا عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِم، وَقَد آمَنُوا وَصَدَّقُوا. وَهُم- فِيمَا ذُكِرَ لِي-: سِتَّةُ نَفَرٍ مِن الخَزرَجِ

فَلَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ إلَى قَومِهِم ذَكَرُوا لَهُم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوهُم إلَى الإسلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِم، فَلَم يَبقَ دَارٌ مِن دُورِ الأنصَارِ إلَّا وَفِيهَا ذِكرٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.