وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَبلَ بَيعَةِ العَقَبَةِ لَم يُؤذَن لَهُ فِي الحَربِ وَلَم تُحَلَّل لَهُ الدِّمَاءُ، إنَّمَا يُؤمَرُ بِالدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ وَالصَّبرِ عَلَى الأذَى، وَالصُّفحِ عَن الجَاهِلِ وَكَانَت قُرَيشٌ قَد اضطَهَدَت مَن اتَّبَعَهُ مِن المُهَاجِرِينَ حَتَّى فَتَنُوهُم عَن دِينِهِم وَنَفَوهُم مِن بِلَادِهِم، فَهُم مِن بَينِ مَفتُونٍ فِي دِينِهِ، وَمِن بَينِ مُعَذَّبٍ فِي أيدِيهِم، وَبَينِ هَارِبٍ فِي البِلَادِ فِرَارًا مِنهُم، مِنهُم مَن بِأرضِ الحَبَشَةِ، وَمِنهُم مَن بِالمَدِينَةِ، وَفِي كُلٍّ وَجهٌ، فَلَمَّا عَتَت قُرَيشٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَدُّوا عَلَيهِ مَا أرَادَهُم بِهِ مِن الكَرَامَةِ، وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَعَذَّبُوا وَنَفَوا مَن عَبَدَهُ وَوَحَّدَهُ وَصَدَّقَ نَبِيَّهُ، وَاعتَصَمَ بِدِينِهِ، أذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي القِتَالِ وَالِانتِصَارِ مِمَّن ظَلَمَهُم وَبَغَى عَلَيهِم، فَكَانَت أوَّلُ آيَةٍ اُنزِلَت فِي إذنِهِ لَهُ فِي الحَربِ، وَإحلَالِهِ لَهُ الدِّمَاءَ وَالقِتَالَ، لِمَن بَغَى عَلَيهِم، فِيمَا بَلَغَنِي عَن عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ وَغَيرِهِ مِن العُلَمَاءِ، قَولُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
أي أنِّي إنَّمَا أحلَلتُ لَهُم القِتَالَ لِأنَّهُم ظُلِمُوا، وَلَم يَكُن لَهُم ذَنبٌ فِيمَا بَينَهُم وَبَينَ النَّاسِ، إلَّا أنَّ يَعبُدُوا اللَّهَ، وَأنَّهُم إذَا ظَهَرُوا أقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ، وَأمَرُوا بِالمَعرُوفِ، وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ ، يَعنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأصحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم أجمَعِينَ،
ثُمَّ أنَزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيهِ: